لا شك أن المولى عز وجل قد خلق فى كل من الرجل والمرأة عوامل تجذب كل منهما للآخر، لكى يتقاربا ويتزوجا من أجل إعمار هذا الكون، وربما يكون النظر هو أول المداخل التى يدخل بها المرء إلى منطقة الإعجاب، ثم الحب والزواج.
إلا أن هناك حواسًا أخرى تلعب دورا أساسيا فى هذه العملية، ومنها السمع مثلا، حيث يمكن للإنسان أن يحب امرأة من صوتها قبل أن يراها، وعندما يراها تكون قد امتلكت مشاعره فيراها أجمل الناس، وهى غير ذلك، وفى هذا يقول الشاعر: والأذن تعشق قبل العين أحيانا، إلا أن الشىء الجديد الذى تم اكتشافه حديثا هو الدور الذى تلعبه الأنف - دون أن ندرى - فى التجاذب بين الناس عامة، والانجذاب بين المحبين بصفة خاصة، والذى يسبق العين والأذن ويتفوق عليهما، ليس هذا فحسب، بل إن لها دورا هاما جدا فى حدوث الخصوبة والتبويض ونزول الدورة الشهرية.
وعندما نتأمل صنعة الخالق عز وجل نوقن تماما ونؤمن بروعة الخلق وإبداع الخالق، فكل من جسم الرجل والمرأة يفرز ما يسمى بـ "فيرمونات" Pheromones، وهى عبارة عن مواد كيميائية تنبعث جزيئاتها فى الهواء، دون أن تعطى رائحة متميزة يشعر بها أى منهما، إلا أنها مميزة للشخص، ولها تأثير فعال إما فى الانجذاب أو التنافر بين الرجل والمرأة، أو حتى فى القبول وعدم القبول على المستوى الاجتماعى.
وقد لاحظت د."وينفريد كاتلر" أحد الذين اكتشفوا وجود هذه الفيرمونات وتأثيرها أن البنات اللاتى تعشن مع بعضهن فى بيت واحد مثل بيت الطالبات أو فى المدينة الجامعية تنزل الدورة الشهرية عندهم فى وقت واحد أو متقارب، نتيجة لتأثير هذه الفيرمونات على هرموناتهن الأنثوية، كما لاحظت أن الزوجات اللاتى تمارسن المعاشرة الزوجية مع أزواجهن تنتظم لديهن الدورة الشهرية، وتصبح أقل تعبا.
وفى البحث الذى نشرته مجلة "نيتشر" للدكتورة". مارثا كلينتوك من جامعة شيكاغو، أوضحت الباحثة أن فترة التبويض عند المرأة تتأثر بوجود نسبة من هذه الفيرمونات، وبالتالى فقد يؤثر ذلك على إمكانية وسرعة حدوث الحمل، ومن حكمة الخالق عز وجل أن إفرازات الجسم التى تحتوى على هذه الفيرمونات تختلف رائحتها أثناء فترة التبويض، عنها قبل نزول الدورة، وأثناء نزول الدورة، وتكون فى أفضل الحالات أثناء فترة التبويض من أجل جذب الرجل.
كما يزداد لدى المرأة فى ذلك الوقت إفراز هرمونات "فينيل إيثيل أمين" PEA، والدوبامين المنشطة والمسئولة عن إشعال وهج الحب الرومانسى الملتهب، وتنبه زيادة الفيرمونات إفراز الهرمون الذكرى "تستوستيرون" عند الرجل لكى يحدث الانجذاب بينهما فى هذه الفترة المخصبة من أجل عمار الكون من خلال التناسل والذرية.
والجزيئات المنبعثة من الفيرمونات لا تنتقل إلى المخ عن طريق العصب الشمى، ولكنها تنتقل عن طريق خلايا عصبية حسية موجودة فى الغشاء المخاطى المبطن لفتحتى الأنف، ويطلق عليه VNO، وينتقل منه إلى منطقة ما تحت المهاد"الهيبوثلاموس" التى تعطى الأوامر للغدة النخامية، من أجل إفراز الهرمونات المسئولة عن التجاذب والأداء الجنسى.
وقد أظهرت الأبحاث التى أجريت على كل من الرجال والنساء أن الطريقة التى تؤثر فى كل منهما عندما يرى حبيبه تختلف، فمن خلال الفحص المقطعى بالبوزيترون PET الذى يصور المخ أثناء عمله تم فحص مخ 106 من الرجال والنساء عندما يرون صورا للشخص الذى يحبه أو تحبه بعد فترة بعاد.
وقد أظهر البحث أن الرجل تستثيره حاسة النظر Visual، حيث تنشط لديه المنطقة البصرية فى المخ بمجرد رؤية الصورة، بينما فى المرأة تنشط منطقة الذاكرة عندما ترى صورة المحبوب، حيث يصاحب رؤية الصورة استعادة الذكريات الجميلة بينهما، وهذا يلفت نظرنا إلى قول الخالق "وليس الذكر كالأنثى"، فالاختلاف هنا ليس تفضيلا للذكر على الأنثى، ولكنه فهم عميق من الصانع لصنعته يخبرنا به لكى ننتبه إليه.
فالمرأة ينبغى أن تظهر لزوجها ما يسره منها، ويشم منها رائحة طيبة، وعندما سئلت السيدة عائشة فى مسألة دقيقة من مسائل الزينة والتجميل أجابت: "إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعى مقلتيك فتضعيهما أحسن مما هما فافعلى".
وعلى الجانب الآخر يتضح لنا أن المرأة مخلوق رقيق ينبغى أن يكون الوصول إليه من خلال رصيد مختزن فى الذاكرة من المقدمات والأفعال الطيبة، فكل ما فعله بها من قسوة وإهانة يتجمع فى ذاكرتها أثناء هذا اللقاء الذى من المفروض أن يكون حميما، فلا بد للزوج أن يبادل زوجته الكلام الطيب، وأن يتزين لها كما تتزين له، ويخبرها بحبه ففى الحديث الشريف: "إذا أحب أحدكم أخاه فليقل له إنى أحبك، فذلك يزيد الحب بينهما"، لتجنب الملل والرتابة التى تصيب الأزواج بعد فترة من الزواج، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: "حبك يا عائشة فى قلبى كالعروة الوثقى".
الكاتب: د. عبد الهادي مصباح أستاذ المناعة زميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة
المصدر: موقع اليوم السابع